السبت، 10 نوفمبر 2012

من فهد بن إبراهيم الجمعة إلى من يراه من المسلمين

من فهد بن إبراهيم الجمعة إلى من يراه من المسلمين ، سلك الله بي وبهم سبيل أهل الإيمان ، ووفقني وإياهم للفقه في السنة والقرآن . آمين .

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أما بعد
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل حق التقوى ، والتمسك من الإسلام بالعروة الوثقى ، وامتثال أوامر الله جل وعلا في جميع الأحوال ، وفي جميع الأزمان ، واتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، واجتناب نواهيه ، والحذر من مخالفة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي بالتزود بالطاعات والقربات ، والمسابقة لفعل الخيرات ، والتأهب ليوم الحسرات والندمات والويلات ، والخوف من الجليل والاستعداد ليوم الرحيل.
ولنعلم جميعاً أننا خلقنا لعبادة الله جل وعلا ، قال سبحانه وتعالى : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، وقال جل وعلا مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم : (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أي حتى يأتيك الموت.
وعلينا جميعاً الحذر من المعاصي والشبهات ، فهي التي تقسي القلب ، وتضعف الإيمان ، ومن وقع في معصية فليبادر بالإستغفار والتوبة من هذا الذنب بصدق وإخلاص وتضرع وإنابة ، قال تعالى في وصف عباده المتقين : (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون).
وينبغي للمسلم أن يبادر السيئة بالحسنة ، فإن الحسنات يذهبن السيئات ، قال تعالى : (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين). وعليه بكثرة الإستغفار ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (الإستغفار من أكبر الحسنات وبابه واسع ، فمن أحس بتقصير في قوله أو عمله أو حاله أو رزقه أو تقلب قلبه فعليه بالتوحيد والإستغفار ففيهما الشفاء إذا كانا بصدق وإخلاص).
فالمؤمن لا بد أن يكون متفطناً يقظاً لمرور الأيام والليالي ، ولا بد أن يشغلها في طاعة الله عز وجل وفيما يعود عليه بالنفع والفائدة ، ولا يكن غافلاً مضيعاً لأوقاته ، قال جل وعلا : (واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار) وقال تعالى : (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) ، فإن كنت غافلا فإن الله جل وعلا لايغفل ، قال سبحانه : (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار) ، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى : (يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم ذهب بعضك).
فحري بالمسلم أن يعمل أعمالا صالحة تقربه من ربه يوم المعاد ، وأن يجاهد نفسه على طاعة الله وترك معصيته والصبر على ذلك ، قال تعالى : (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).
والأعمال الصالحة كثيرة وأبواب الخير متعددة ولله الحمد والشكر وهذا من فضل الله على عباده ، فالواجب على المسلم أن يبادر لفعل الخيرات وأن يستغل صحته وشبابه وفراغه قبل مرضه وهرمه وشغله ، وأن يكثر من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ، فقد جاء رجل كبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : إن شرائع الدين كثرت علي وأنا رجل كبير فدلني على أمر أتشبث به ، فقال صلى الله عليه وسلم : (لا يزال لسانك رطباً بذكر الله).
فذكر الله جل وعلا شأنه عظيم وأجره جزيل ، وبه ترفع الدرجات وتحط السيئات ، وبه تعم الخيرات وتزول المنكرات ، فعليك أخي المسلم بكثرة ذكر الله تعالى على كل حال ، قال سبحانه: (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما).
وقال تعالى : (واذكر ربك كثيراً) ، وقال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم : (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا) ، والخطاب من الله تعالى يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده.
فاتقوا الله أحبتي في الله وأحسنوا لأنفسكم تسلموا ، وارجوا ثواب الله وعظيم غفرانه ، واجعلوا قلوبكم معلقة بخالقكم ورازقكم ومدبر شئونكم ، فإنه يعلم سركم وجهركم ، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد الطاهر الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

رسالة شيخ الاسلام ابن تيمية لأمه

إذا ذكرت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإنك تذكر - وبإعجاب - تقريراته العقدية وترجيحاته الفقهية ووقفاته التربوية،
لكن هل اطلعت على جانب آخر من حياته، وهو علاقته بأمه؟

هذه رسالة منه إلى والدته يعتذر فيها عن إقامته بمصر بعيداً عنها ، لأنه يرى في ذلك ضرورة ماسة لتعليم الناس .. ورغم أنها رسالة خاصة وشخصية من ولد لأمه إلا أنك تجد فيها وقفات رائعة في فقه الأولويات وعظيم الثـناء على الله وتفويض الأمور إليه سبحانه ، كما تجد فيها لطف العبارة وسمو الأسلوب وحسن التذلل لوالدته ..


"من أحمد بن تيمية إلى الوالدة السعيدة، أقر الله عينها بنعمه ، وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من خيار إمائه وخدمه .

سلام عليكم، ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل ، وهو على كل شيء قدير. ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين، وإمام المتقين محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما
كتابي إليكم عن نعم من الله عظيمة، ومنن كريمة وآلاء جسيمة، نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله ، ونعم الله كلما جاءت في نمو وازدياد، وأياديه جلت عن التعداد .


وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد، إنما هو لأمور ضرورية، متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا، ولسنا والله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه. وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور فإنكم- ولله الحمد- ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على الإقامة والاستيطان شهرا واحدا، بل كل يوم نستخير الله لنا ولكم، وادعوا لنا بالخيرة. فنسأل الله العظيم أن يخير لنا ولكم وللمسلمين ما فيه الخيرة في خير وعافية.
ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير والرحمة والهداية والبركة، ما لم يكن يخطر بالبال ولا يدور في الخيال. ونحن في كل وقت مهمومون بالسفر، مستخيرون الله سبحانه وتعالى، فلا يظن الظان أنا نؤثر على قربكم شيئا من أمور الدنيا، بل ولا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجح منه، ولكن ثم أمور كبار نخاف الضرر الخاص والعام من إهمالها، والشاهد يرى مالا يرى الغائب.


والمطلوب كثرة الدعاء بالخيرة، فإن الله يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، وهو علام الغيوب. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من سعادة ابن آدم استخارته الله ورضاه بما يقسم الله له، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته الله، وسخطه بما يقسم له".
والتاجر يكون مسافرا فيخاف ضياع بعض ماله، فيحتاج أن يقيم حتى يستوفيه، وما نحن فيه أمر يجل عن الوصف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كثيرا كثيرا، وعلى سائر من في البيت من الكبار والصغار، وسائر الجيران والأهل و الأصحاب واحدا، واحدا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما".
المصدر : مجموع الفتاوى - المجلد 28 ص 48-50