الأحد، 27 فبراير 2011

كارثة جدة

إن المتأمل فيما حصل في مدينة جدة هذه الأيام من كوارث وسيول جارفة ليعلم علم اليقين أن الله جل وعلا قادر على كل شيء ، وأن لله جنود السماوات والأرض ، وأن الله سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وأنه جل في علاه يمهل ولا يهمل ، وأنه سبحانه ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، كما جاء في الحديث عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) قال : ثم قرأ : ((وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)) متفق عليه.هذا الحديث سلوى للضعفاء المظلومين المؤمنين المعذبين في الأرض بغير حق ، ليعلم الموحدون المضطهدون أنه ولابد أن يأتي يوم يخلص الله فيه عباده المقهورين من هؤلاء الظلمة المتجبرين .وهذا الحديث يجمع سُنتين من سنن الله تعالى : الأولى: سنة الإملاء والإمهال للظالمين ، يقول صاحب اللؤلؤ: ليملي : أي يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة.
الثانية: أخذ الله للظالمين وعدم إفلاتهم من عقاب الله الأليم . لم يفلته: أي لم يطلقه ، وقال أهل اللغة: (يقال أفلته أطلقه وانفلت تخلص منه). وكذلك أخذ ربك: قال الراغب: (الأخذ حوز الشيء وتحصيله وذلك تارة بالتناول وتارة بالقهر) والله تعالي يقول في الحديث القدسي) : إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) ، وكذلك أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال : (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) والظلم:هو أخذ مال الغير بغير حق أو التناول من عرض أو نحو ذلك. قاله صاحب اللؤلؤ وقوله ظلمات : قال القاضي (قيل على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلاً حتى يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم . ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد وبه فسروا قوله تعالى )قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر (أي شدائدهما ، وقيل: إنها عبارة عن الأنكال والعقوبات) أ.هـ قال الحافظ في الفتح : قال ابن الجوزي : الظلم يشتمل علي معصيتين : أخذ مال الغير بغير حق ، ومبارزة الرب بالمخالفة ، والمعصية فيه أشد من غيرها ، لأنه لا يقع غالباً إلا بالضعيف الذي لا يقدر علي الانتصار ، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب ، لأنه لو استنار بنور الهدى لأعتبر ، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا) أ.هـ ومن منا يحتمل عاقبة الظلم .. من منا يقوى على ظلمات يوم القيامة أو يقوى على التطويق من سبع أراضين؟ .. من يتحمل العذاب الأليم الشديد؟ ، يقول الإمام الزمخشري : (وهذا تحذير من وخامة عاقبة الظلم لكل أهل قرية ظالمة من كفار مكة وغيرها بل لكل من ظلم غيره أو نفسه بذنب يقترفه ، فعلى كل من أذنب أن يحذر أخذ ربه الأليم الشديد ، فيبادر بالتوبة ولا يغتر بالإمهال).
ونصيحتي لمن ولي أمراً من أمور المسلمين سواء كان هذا الولي ملكاً في مملكته أو رئيساً قي دولته أو وزيراً في وزارته أو مديراً في دائرته أو مدرساً في مدرسته أو قاضياً في محكمته أو أباً لأبنائه ومسئولاً عنهم أن يتقي الله فيمن هم تحت ولايته ومسئوليته ، وليعلم أنه مسئول عنهم يوم يقف بين يدي الله للجزاء والحساب ، وليعمل جاهداً قدر استطاعته على أداء هذه الامانة التي يحملها والتي أبت أن تحملها السماوات والأرض والجبال لعظمها ، وليعلم أن سبب الكوارث والفتن والزلازل والمحن والمصائب إنما هو بسبب الذنوب والفساد وتضييع الأمانة ، وما شاهدناه هذه الأيام من كوارث في مدينة جدة بالمنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية إنما هو أقرب مثال وخير شاهد لنتيجة الفساد وتضييع الأمانة وعدم أداءها ، قال تعالى((وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)) ، ولنعلم جميعاً أن الأمطار التي هطلت على مدينة جدة وعلى جميع مناطق المملكة إنما هي أمطار خير وبركة ، ولم يتضرر منها إلا قاطني هذه المدينة بأمر الله جل وعلا ثم بسبب ما فيها من الفساد الإداري وعدم الاهتمام من قبل بعض المسئولين بأمر المسلمين والقيام بأداء الأمانة التي اؤتمنوا عليها ، وليتذكر هذا المسئول وغيره قول الله تعالى ((وقفوهم إنهم مسئولون)) ، وقوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)) ، وقوله تعالى : ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)) ، وليعلم هذا المفرط أنه آثم عن كل ما يقع بسبب تفريطه من هدم وغرق وموت وغير ذلك من الأمور التي لا تحمد عقباها ، وأنه مساءل أمام الله في يوم الحساب ، قال عليه الصلاة والسلام (ما من رجل يسترعي رعية يموت حين يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) متفق عليه.
فلنتق الله في أنفسنا ، ولنؤد الأمانة على أكمل وجه ، ولنحتسب الأجر من الله جل وعلا ، ولندعو لإخواننا المتضررين في كل مكان بأن يرفع الله عنهم ما حل بهم ، ولنسأل عن أحوالهم ونتصل بمن نعرف منهم للاطمئنان عليهم ، فالمؤمنون إخوة يتألمون جميعاً مما يتألم منه بعضهم ، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا كما قال ذلك عليه الصلاة والسلام ، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إنما مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
أسأل الله جل وعلا بمنه وكرمه أن يرفع عن إخواننا المتضررين في مدينة جدة وفي كل مكان ، وأن يلطف بهم ، وأن يرحم ضعفهم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ، وأن يوفق ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح البلاد والعباد ، وأن يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على كل خير وتعينهم عليه.وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق