الجمعة، 19 أغسطس 2011

وصيتي في العشر الأخيرة من رمضان

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:فأوصيكم أيها المسلمون بما وصى الله به الأولين والآخرين فقال جل من قائل عليما(ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله)، فتقوى الله هي خير زاد وأنفس علاج وأفضل مايقدمه العبد لنفسه يوم لقاء رب العباد في يوم المعاد، واعلموا رحمكم الله أن العمر قصير والأجل قريب والساعة قربت والحساب عسير إلا من يسره الله عليه، وأمامنا رحلة طويلة وشاقة تحتاج إلى زاد كثير وخير زادها التقوى، (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب)، فالواجب على كل مسلم أن يجاهد نفسه الأمارة بالسوء على طاعة ربه بفعل الواجبات وترك المحرمات، فهذه هي التقوى، فليست التقوى بقيام الليل وصيام النهار والتخليط بينهما ولكن التقوى بفعل ما أمر الله به وترك مانهى عنه كما قال ذلك عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى ورضي عنه، وأن يستغل الأوقات الفاضلة بما يقربه من ربه جل وعلا وينجيه من عقابه، فهانحن ياعباد الله نعيش في شهر عظيم مبارك قد تصرمت أيامه وبدأت لياليه الشريفة بالإنقضاء، وبدأ هلاله بالنقصان، وغداً يبدأ أول يوم من أيام عشره الأخيرة، ولياليه هي أفضل ليالي السنة على الإطلاق، فيها ليلة القدر ، وما أدراك ما ليلة القدر؟ هي ليلة خير من ألف شهر من حرم فضلها فقد حرم خيراً كثيرا، قال تعالى(إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر)، من صلى صلاة واحدة فكأنما صلى ألف شهر، ومن تصدق فيها فكأنما تصدق ألف شهر، ومن ذكر الله فيها فكأنما ذكر الله ألف شهر، هي في العشر الأخيرة من رمضان، أخفاها الله جل وعلا عن عباده ليجتهد المجتهدون ويشمر المشمرون ويتسابق المتسابقون ويتنافس المتنافسون، قال تعالى(وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، من قامها إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه، فلا تحرم نفسك هذا الأجر العظيم وهذه الفرصة الجليلة، فإنما هي أيام معدودات، من ترك فيها بصمات خير وجد خيراً، ومن ترك غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، قال تعالى(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى)، وستنقضي هذه الليالي والأيام، وسيفضي كل منا إلى ما قدم، ولكل واحد منا خزانة سيجدها يوم العرض على الله، فاملأ خزانتك بما ينفعك، ولا تجعلها فارغةً فتندم، وأكثر في هذه الليالي من شتى الطاعات والقربات، من ذكر لله، وتصدق على الفقراء والمساكين، وصلة للأرحام، وقيام ليل، ودعاء، وبر للوالدين، وإحسان للضعفة والمعوزين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصيحة ودلالة الناس للخير وتذكيرهم بالله جل في علاه، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة، وقراءة للقرآن، وعيادة للمريض، واتباع للجنائز، والكف عن أذى الآخرين بالقول والفعل، واجتناب ما حرم الله من غيبة ونميمة وقول باطل وبهتان وقول زور وشهادة زور، وأكل للرباء، وأكل لأموال الناس بالباطل، وأكل مال اليتيم، والكذب والظلم بأنواعه، لعل الله أن يغفر لنا جميعاً।ولنتذكر جميعاً أنه يشرع في هذه الأيام العشر المباركة الإعتكاف في بيوت الله، وهذه سنة الحبيب عليه الصلاة والسلام، حيث كان يعتكف العشر الأخيرة من رمضان حتى توفاه الله واعتكف أزواجه من بعده، ولنكثر من الدعاء لأنفسنا ولوالدينا ولأولادنا وأزواجنا وأقاربنا والمسلمين، وخير الدعاء في هذه العشر كما علم النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها قول(اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)، فشمر أخي المبارك عن ساعديك واجتهد فيما تبقى من هذا الشهر الفضيل أكثر من ذي قبل، وذكر أهلك وأولادك بفضل الاجتهاد في هذه الليالي والأيام، وحفزهم بما تجود به نفسك حتى تجد الثمرة اليانعة بإذن الله بعد وفاتك، فيكونوا عباداً لله صالحين يدعون لك وينفعونك بعد مماتك، قال عليه الصلاة والسلام(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، والله جل وعلا أمرنا بالإحسان إلى الأبناء بتربيتهم التربية الصحيحة المستقيمة فقال تعالى(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)، ولنا في رسول الله قدوة حسنة، فقد كان يجتهد في العشر ما لايجتهد في غيره، فإذا دخلت العشر شد المئزر وأحيا ليله وأيقظ أهله، فصلوات الله وسلامه عليه أبداً إلى يوم الدين، فلنجتهد جميعاً فيما بقي من شهرنا، فالخيل الأصيلة لا تزيد سرعتها إلا في المنعطف الأخير، والسعيد من ملأ وعاءه بالماء।وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق