الجمعة، 2 سبتمبر 2011

الهلال بين رؤية شرعية ورؤية فلكية


الحمد لله الذي جعل الدين يُسْرا ، وما جعل علينا فيه من حرج، والصلاة والسلام على مَن أَرْشَدَ الأمة لأَقْوم سبيل ، وهداهم لأيسر طريق ، فأكمل الله به الدين ، وأتم به النعمة ، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وبعد : فقد رؤي هلال شوال 1432هـ بعد غروب شمس يوم الاثنين 29 رمضان والعيد الثلاثاء خلافا لزعم الفلكيين باستحالة رؤيته، وقد ثبت شرعاً لدى مجلس القضاء الأعلى بالمملكة العربية السعودية رؤية هلال شهر شوال لهذا العام مساء يوم الإثنين الموافق 29 رمضان بشهادة عدد من الثقاة، وقد انتشرت مجموعة من المعتنين بالحساب الفلكي في هذه البلاد ، وكان لهم جهد مشكور في عمل التقاويم الإسلامية ، لكن حظهم من العلوم الشرعية كان ضئيلا ، فظن القوم أن علمهم هذا يخول لهم الحديث عن الأمور الشرعية والحلال والحرام । والأساس الذي بنينا عليه موقفنا في عدم اعتبار قول الفلكيين هو قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما : ( نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا - يعني تسعة وعشرون وثلاثون)، وقد أجمع أهل العلم الذي يعتد بقولهم على عدم اعتبار أقوال أهل الفلك والحساب في إثبات الرؤية ( كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله) ، بناء على هذا الحديث الذي بين فيه صلى الله عليه وسلم كيفية الرؤية وأنها لا تعتمد على الحساب والكتابة ، وأنه مبني على العد العادي، ولا يقال إن هذا فيه دعوة إلى الجهل والتخلف ، فمن اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقد كفر ، ومن خَطَّأَ أهلَ العلم لفهمهم أن هذا الحديث يمنع من اعتماد الحساب في الأمور الأخرى مثل الفرائض والتجارة ونحو ذلك فقد افترى على العلماء وعليه جزاء المفترين، ولاشك أن الخلاف في هذه المسألة معتبر، وأن القائلين به من العلماء معدودون في الأئمة الأعلام، ولكن هذا لا يدل على صحة المذهب والقول ، بل كل قول مَرَدُّه إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى (وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)، ونحن ما زلنا نؤكد على أن الأمة لن تجتمع أو تتوحد إلا بأن توحد رؤيتها ، وتأخذ كل البلاد بالرؤية السابقة في أي بلد ظهر ، ولا مانع من الاستئناس بأقوال الفلكيين ، لكن لا تكون هي المحك في رفض الرؤية وقبولها ، بل المحك إنما هو في ثبوت الرؤية بالوجه الشرعي المعتبر، والمذهب القائل بالأخذ برؤية البلد المحلية دون سائر البلاد معمول به في معظم الدول الإسلامية لغلبة التقليد واتباع المذاهب ، وعدم الأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس أحد حجة في مسائل الشرع حتى لو كانت بلاد الحرمين ، لأن الحجة لا تكون إلا فيما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فمعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم تأكد أمره بتعليق الصوم والإفطار على الرؤية ، حيث قال فيما رواه البخاري ومسلم : (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له,...) وفي رواية : ( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) وهذا خطاب عام للأمة كلها أن تصوم بالرؤية ، لا تخصيص فيه ببلد أو بقوم أو بعشيرة أو بحدود سياسية أو بهيئة أو جمعية ، وفي سنن أبي داود بسند صحيح عن ابن عمر قال : تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأ مر الناس بصيامه । فالواجب الأخذ بالأسباب الشرعية التي توافق ما جاء في الكتاب والسنة، والعمل بما يوافقهما، وعدم الخروج والفرقة ، قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، فنصيحتي لمن تسول له نفسه القيام بالعبث والتشكيك في أمور الدين والعبادات، والتغرير بالجهلة وأهل الأهواء في عباداتهم وتعاملاتهم أن يتقوا الله ويراقبوه، وأن يعلموا أن عملهم هذا مردود عليهم، وسيلقون رباً يجازيهم بأعمالهم وما قدموه، وأقول لهم أيضاً : الدين يسر، قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، والله جل وعلا أكمل لنا الدين وأرسل لنا الرسل وأنزل علينا الكتب فلا حاجة لكلام المتكلمين وتغرير المغررين وفلسفة المتفلسفين، قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، فمن أحدث في هذا الدين ما ليس منه فعمله مردود عليه، قال عليه الصلاة والسلام(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، ونصيحتي لمن غرر بهم : أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن لا ينساقوا خلف الشائعات بلا علم ولا بصيرة، وأن يسألوا أهل العلم الراسخين، قال تعالى (فاسألوا أهل العلم إن كنتم لا تعلمون)، وقال تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية بأن أهل العلم أجمعوا أنه لا اعتبار بقول الفلكيين في نفي الرؤية ، إلا خلافا شاذا يحكى عن بعض الشافعية وهو مسبوق بالإجماع القديم فلا يعتد به، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق الصوم والإفطار على الرؤية ، ومنع الاعتماد على الحساب في الحديث الذي أوردناه عند الرد على الفلكيين.

وفي الختام نؤكد أن تطبيق السنة لا يمكن أن يكون مفرقاً، وأن المجمع والموحد لنا جميعا هو أن نطبق سنة النبي صلى الله عليه وسلم .إننا ندعو للتوحد تحت راية السنة المطهرة ، وأن يتجرد الناس من الأهواء ، وبخاصة الدعاة وبعض أهل العلم ممن تصدروا لقيادة المجتمع ، وندعو إلى ترك الحديث عن الماضي ولنتكلم عن المستقبل وماذا يمكننا أن نفعل فيه إذا ثبتت الرؤية مرة أخرى؟؟؟ إننا نمد أيدينا مبسوطة لكل راغب أن يثبت معنا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل من مجيب ؟؟؟ وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهد بن إبراهيم الجمعة
المملكة العربية السعودية
الرياض – عصر الخميس الموافق للثالث من شهر شوال لعام 1432 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق