الخميس، 23 أغسطس 2012

الاستمرار في الطاعة من صفات المؤمنين

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
فأوصيكم أيها المسلمون ونفسي بتقوى الله والتمسك بهدي رسوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، والمسارعة لفعل الخيرات، واتباع السيئة الحسنة تمحها، والتزود من الطاعات والقربات في كل الأوقات وعلى كل الأحوال، فإن الله جل وعلا خلق الخلق لعبادته وحده دون سواه، فقال جل وعلا {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فالعبد مأمور بطاعة الله وعبادته في سائر الشهور والأيام حتى توافيه المنيّة ويأتيه الأجل المحتوم، قال تعالى {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}، فهانحن قد ودّعنا شهر رمضان فصمنا وقمنا وتصدقنا واعتمرنا وتقربنا إلى ربنا بشتى القربات، نسأل الله أن يتقبل منا، وأن يجعلنا ممن صام رمضان وقامه وقام ليلة القدر فيه إيماناً واحتساباً فغفر الله له ماتقدم من ذنبه، وأن يعتق رقابنا ورقاب والدينا وأولادنا وأزواجنا والمسلمين من النار، فالواجب على المسلم أن يصوم في كل الشهور عن كل مايغضب الله، وأن يقوم بما أمر الله به، ويتجنب ما نهى الله عنه، وأن يعلم علم اليقين أن الله مطّلعٌ عليه، يعلم سرّه ونجواه، ويرى مكانه ومستقره، ويسمع كلامه وهمسه، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال تعالى{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها}، فالمسلم في هذه الدنيا إما إلى تقدم أو إلى تأخر، فليس فيها وقوف، فمن تقدم إلى ربه بعمل الصالحات فقد فاز وأفلح، ومن تأخر فقد خاب وخسر، قال تعالى {لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر}، يقول ابن القيم رحمه الله : (إن لم يكن العبد في تقدم فهو في تأخر ولا بُد، فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق وإما إلى أسفل، وإما إلى الأمام وإما إلى خلف، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتّه، وإنما يتخالفون في جهة المسير، وفي السرعة وفي البطء، قال تعالى {لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر}، ولم يذكر واقفاً إذ لا منزل بين الجنة والنار، ولا طريق لسالك غير الدارين، فمن لم يتقدم إلى هذه بالأعمال الصالحة فهو متأخر بالأعمال السيئة)، وقال رحمه الله : ( لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر، وله عليه فيه نهي، وله فيه نعمة، وله به منفعة ولذة، فإن قام لله في ذلك العضو بأمره واجتنب فيه نهيه؛ فقد أدى شكر نعمته عليه فيه، وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به، وإن عطّل أمر الله ونهيه فيه؛ عطّله الله من انتفاعه بذلك العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته، وله عليه في كل وقت من أوقاته عبودية تقدمه إلى ربه وتقربه منه، فإن شغل وقته بعبودية ذلك الوقت تقدم إلى ربه، وإن شغله بهوى أو راحة أو بطالة تأخر، فالعبد لا يزال في تقدم أو تأخر، ولا وقوف في الطريق البتّه، قال الله تعالى{لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر}. الفوائد ص٣٣٧
فالاستمرار في عمل الصالحات من صفات المؤمنين الصادقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، قال تعالى{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}، وقال جل وعلا {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}، وقال سبحانه {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}، فالسعادة الحقيقة في طاعة الله جل وعلا، قال تعالى{من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، فالواجب على المسلم أن يجتهد في طاعة ربه ومولاه، وأن يجتنب مانهاه الله عنه، وأن يصبر على ذلك حتى يلقى الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، ولنتذكر جميعاً الجزاء الذي أعدّه الله لعباده المؤمنين، قال تعالى {أعدّ الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}، وقال تعالى {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رُزقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون}، وقال سبحانه {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم}، وقال تعالى {جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا}، فمن أراد النعيم المقيم والسعادة الأبدية فليلزم طاعة ربه، فإن الدنيا دار فناء لا دار بقاء،  وإن الخسارة الحقيقة هي خسارة السعادة في الدار الآخرة، قال تعالى {قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين}، أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من عباده المتقين المحسنين، وأن يقينا شر أنفسنا والشيطان، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق